image
نجلاء السويدى
مؤلفة كاتبة أديبة

المراحل التطورية للكتابة العربية

المراحل التطورية للكتابة العربية:

تعد الكلمة أساس الكون، فالكلمة تمثل كيان ووجود الإنسان بحيث يتمحور حولها فكر الإنسان وفنه، وفي هذا الصدد يجب الإشارة إلى قول الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾(). كما تقوم الكلمة على الحفاظ على الحق وحمايته وإقامته كما ورد في قول الله تعالى: ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾().

كما أن الكلمة أحد أهم الضرورات الإنسانية، فهي الوجود الذي يمكن عن طريقه حماية القيم التي يتواضع من خلالها البشر، فيتشكل عقل الإنسان من خلال الكلمة، وبالكلمة يمكن وصف مختلف الأشياء والأماكن والأشخاص، فضلًا عن ذلك يمكن وصف الأفكار والتجارب والانفعالات والخبرات من خلال الكلمة.

وهناك العديد من الظلال والإيحاءات المتعلقة بالكلمة في اللغة العربية، كما أنها تتسم بالمرونة التي لا تتوافر في العديد من اللغات الأخرى، فالكلمة في اللغة العربية تقوم على عدد من القواعد البلاغية والنحوية على حد سواء، ودونها أصبحت الكلمات دون معنى، أما بالنسبة للمعنى اللغوي للكلمة في اللغة العربية فهي جميع ما يقوم الإنسان باستخدامه في تراكيبه التي تتمثل في الحروف والأسماء والأفعال، وبالتالي فإن الكلمة أصبحت من أهم مجالات الدراسة المتعلقة بجميع فروع اللغة العربية، بحيث تمتاز اللغة العربية بكونها لغة السحر والجمال، فهي كالموسيقى التي تتواصل مع عاطفة الإنسان، وبالتالي يتواصل الإنسان العربي معها كما يتفاعل مع الموسيقى.

وتتسم اللغة العربية أيضًا بالمرونة، حيث أنها ذات قدرة على المجاز، والانشقاق، والقلب، والنحت، الأمر الذي جعل اللغة العربية قادرة على أن تكون لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، فضلًا عن ذلك فقد تمكنت اللغة أن تصبح أداة لكافة العلوم التي تم نقلها من بلاد الفرس واليونان والهند وما إلى ذلك. 

ويرى البعض أن الكتابة العربية قد انبثقت عن الخط المسند الحميري الذي يعرف أيضًا بالخط الجنوبي، وأن هذا الخط قد وصل إلى موطن المناذرة وبلاد الشام عن طريق القوافل التجارية التي كانت تنتقل بين جنوبي الجزيرة العربية وشماليها ثم انتقل عن طريق الحجاز إلى بقية الجزيرة.

بينما يرى آخرون أن الكتابة العربية استمرار متطور للكتابة النبطية التي انحدرت من الكتابة الأرامية المتطورة عن الكتابة الفينيقية، وقد اعتمد هذا الفريق في رأيه هذا على النقوش والمكتشفات الأثرية، وكانت الكتابة العربية آنذاك عارية من النفط، خالية من الشكل، شأنها في ذلك شأن الكتابة الأم النبطية التي اشتقت منها، وقد وجدت كتابات على الأحجار وصورها، فالنصوص الثلاثة الأولى وجدت في سيناء وهى مؤرخة بين سنتي 210. 

و 253 للميلاد، والنص الرابع وجد في الحجر وهى مدائن صالح وتاريخه 267م، وذكر كذلك نقشًا خامسًا في حوران غير مؤرخ ولكن المستشرقين اينو ليتمان والكونت دي فوج يرجحان أن تاريخه يرجع إلى 270م، هذه كلها نصوص ترجع إلى القرن الثالث الميلادي، وهى نصوص عسيرة القراءة، ولكن أشكالها تقترب من هيئة الخط العربي وكلها دون نقط أو إعجام.

أما أقدم نص وجد مكتوبًا بالعربية الفصيحة فهو نقش النمارة الذي وجد على قبر امريء القيس بن عمرو الذي يوصف بأنه ملك العرب في النمارة في إقليم حوران بجنوب فلسطين وهو مؤرخ سنة 328م، وهي الكتابة في هذا النص قريبة من هيئات الحروف والكلمات في الكتابات الإسلامية الأولى، وهو يمثل مرحلة واضحة من مراحل تطور نشوء الخط العربي لأن الكلمات عربية وأشكال الحروف عربية تقريبًا.

وعن الخط والكتابة يقول . نايف محمود: الكتابة – لغة – مصدر (كتب)، فيقال: (كتب كتابة)، ومعناها الجمع ومن هنا سمي الخط (كتابة) لجمع حروفها بعضها إلى بعض، ونجد أن الكتابة حروف مكتوبة (مخطوطة)، تصور الألفاظ الدالة على ما في نفس الإنسان، أي الوسيلة الأكثر ثباتًا واستمرارًا، كما أنها أداة الاتصال الأساسية التي تحمل الفكر الإنساني من جيل إلى آخر ... وتعد الكتابة من مظاهر التقدم الحضاري، كما أنها الدلالة الأولى على الرقي الإنساني.

والكتابة لابد فيها من الأمور الأربعة: فمادتها الألفاظ المكتوبة، وآلتها القلم الذي يكتب، وغرضها تقييد الألفاظ بالرسوم الخطية، وغايتها الشيء المستثمر منها، وهو انتظام حياة الجماعة، وما يعود عليها من فوائد جمة في أمور الدين والدنيا.      

ومن الجدير بالذكر أن اللغة العربية تضم أكبر عدد من المتحدثين بها عند مقارنتها باللغات السامية، كما أنها ضمن أكثر اللغات انتشار في العالم أجمع، بحيث يقدر المحدثين بها بحوالي 422 مليون شخص ممن يسكنون منطقة الوطن العربي، فضلًا عن عدد من المناطق الأخرى مثل تركيا، والسنغال، وإريتريا، ومال، وتشاد، وتظهر أهمية اللغة العربية بشكل كبير خاصة لمن يتبعون الديانة الإسلامية نظرًا لكونها لغة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الواردة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فحتى يتمكن المسلمون من الصلاة وتأدية غيرها من العبادات، لابد من اتقان العديد من كلمات اللغة العربية.

بالإضافة إلى ذلك فإن اللغة العربية يتم استخدامها في العديد من الطقوس المتعلقة بالكنائس المسيحية الواقعة في العالم العربي، كما تم استخدامها في كتابة العديد من الأعمال الدينية اليهودية التي ترجع إلى العصور الوسطى، وقد ظلت تستخدم لقرون عديدة في شتى المجالات التي دونها المسلمين من سياسة، وعلوم، وأدب، فضلًا عن تأثيراتها في العديد من اللغات كالتركية والألبانية والأردية وغيرها من اللغات الإفريقية، كما أنها أثرت على العديد من اللغات الأوروبية أيضًا مثل الروسية والفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والإسبانية، والألمانية، وقد ظهر هذا التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر، بجانب أنه يتم تدريسها لمختلف المراحل العمرية في الدول الإسلامية الواقعة في العالم العربي، بالإضافة إلى عدد من الدول الإفريقية المجاورة لها.

أما عن العربية واللغات السامية فنجد أن لفظ السامية يطلقه العلماء في عصرنا الحديث على الشعوب التي تسكن البلاد العبرية والعربية واليمنية والبابلية، بالإضافة إلى الشعوب الآرامية، ويعد أول من استخدم هذا اللقب على هذه الشعوب هو العالم الألماني "شلوتزير"، كما أقر العالم الألماني "إيكهورن" هذا المسمى في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.

وهناك العديد من الخصائص التي تميز الشعوب السامية، وذلك وفقًا للدراسات التي تم إجرائها في مجال الدراسات السامية، ومن أهم ما يميز هذه الشعوب هو أن أصول كلماتها تتكون من ثلاث أصوات ساكنة، ومثال على ذلك: ض ر ب، فضلًا عن ذلك تتسم اللغات السامية إمكانية استخدام حروف صامتة بشكل أكبر من استخدامها للصوائت.  

وتعد اللغة العربية أحد فروع اللغات السامية التي تندرج ضمن اللغات الأفرو-آسيوية، وهناك العديد من اللغات التي تتضمنها اللغات السامية، ومنها: الأكادية وهي لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة (الأكادية)، بالإضافة إلى الآرامية، واللغات العربية الجنوبية، والكنعانية، وعدد من لغات القرن الإفريقي كالأمهرية، ويتم تصنيف اللغة العربية في اللغات السامية الوسطى ضمن اللغات الغربية، وبالتالي فإن أقرب اللغات السامية إلى اللغة العربية هي اللغات الشمالية الغربية المتمثلة في الآرامية والعبرية والكنعانية.

ويجب الإشارة هنا إلى أن اللغة العربية تعد أحدث هذه اللغات من حيث النشأة والتاريخ، ولكن هناك عدد من العلماء ممن يعتقدون بأن اللغة العربية هي الأقرب للغة السامية الأم، وهي اللغة التي انشقت منه باقية اللغات السامية، ويرجع السبب في ذلك إلى أن العرب كانوا منغلقين على أنفسهم في الجزيرة العربية، وبالتالي لم تختلط لغتهم بأي من اللغات الأخرى مثلما حدث لغيرها من اللغات السامية، ولكن هناك من يتعارض مع هذا الرأي.

وبالنسبة إلى الكتابة العربية فنجد أن أصل الخط العربي موضوع اختلاف بين علماء اللغة، فهناك من يرجح بأن أصل الخط بدأ في اليمن، ومن ثم انتقل إلى العراق، وهناك من ذهب إلى أن المنشأ كان في مكة، ومنهم من يرجح بأن إسماعيل عليه السلام هو أول من قام بالكتابة بالخط العربي، فضلًا عن ذلك ظهر من يرى بأن أول من قام بالكتابة باللغة العربية هم أشخاص يحملون أسماء أبجد، وهوز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، كما ذهب البعض إلى الاعتقاد بأن مرار بن مرة وأسلم بن سلامة هم من وضعوا أبجدية اللغة العربية وهم من أهل الأنبار، وهناك من يرجح بأنه ابن بشر بن عبد الملك استطاع تعلم الكتابة من أهل الأنبار، وبالتالي قام بنقلها إلى مكة. 

Share Buttons

مقالات ذات صلة

التعليقات 0

اضف تعليق